: الحضارة الإغريقية
الإغريق .. النشأة وتاريح الحضارة:
أصلهم من الهنود الأوروبيين الذين نزحوا من بلادهم الأصلية الشرق الأوسط.
وقد قال عنهم هلبرزيمر: "لقد كان الإغريق قوة مدمرة لكن في نفس الوقت قوة خلاقة مبدعة أنشأت تجمعات في كل أرض اليونان ثم تحولت هذه التجمعات إلى المدينة الحرة او المدينة الدولة City State أسست على العبودية ولكنها وفرت لمواطنيها حياة حرة خلاقة غنية خلقتها الحياة الديمقراطية التي عاشوها في حدود مجتمعاتهم".
وقد كان من نتائج اتصال الإغريق بشعوب الشرق تأثرهم بمدنيات الشرق لكن في تطور مستقل وعندما نضجت فنونها عكست أضوائها على غيرها من الحضارات حتى التي أخذت منها في السابق.
العوامل المؤثرة على نشأة حضارتهم:
1-العوامل الجغرافية:
يمثل الهيكل الجغرافي للإغريق تنوعات عديدة حيث أنها تضم كتلا جبلية وجزرا صخرية.
2-العوامل الجيولوجية:
توفر الرخام ساعدهم على استخدامه بكثرة في منشآتهم مما أثرى الناحية الإنشائية لديهم.
3-العوامل المناخية:
مناخ معتدل وفي الشمال بارد ودافئ في الجنوب وقد ساعد هذا الجو على ممارسة أوجه النشاط المختلفة مثل مباني إدارة الأعمال والقضاء وتمثيليات الدراما واحتفالات الأعياد الموسمية العامة للشعب ومن هنا نشأ الاهتمام بالمباني العامة وليس المعابد.
4-العوامل الدينية:
اعتمد الإغريق أساسا على عبادة الأشخاص أو الظواهر الطبيعية وكانت لكل بلد أو إقليم أو مقاطعة عبادة خاصة بها مما يفسر كثرة المعابد.
وكان الرهبان والقساوسة هم الذين يقررون ذلك ربما لمدة معينة وبعد ذلك تنتفي عن هذه المعبودات صفات القدسية.
5-العوامل الاجتماعية:
الشعوب الإغريقية مرتبطة ارتباطا وثيقا بحبها للدين والأعياد الدينية وحبها للموسيقى والدراما والفنون المختلفة والألعاب الرياضية.
حجم المدينة:
لم ينشأ الإغريق مدنا كبيره بل كانت مدنهم تنسب لنسب الإنسان و صغر حجم المدينة ساعد كل مواطن ليكون له جزء في المشاركة في حياة المدينة.
ومن فلاسفة ذاك العصر أرسطو –فقد كان عالما بيولوجيا يدرك الحدود الطبيعية للنمو العادي للكائن الحي وقد طبق هذا على مبتكرات الإنسان- الذي وصف المدينة أنها كلما كانت صغيرة جدا تظل قرية مهما كان مستوى العمارة فيها جميل ورائع والمدينة الكبيرة لا تستطيع توفير متطلبات الحياة لسكانها على الوجة الأمثل وتطبيق نظم الحكم والتعليم، وقد وصف صغر حجم المدينة بأنها يجب أن تكون من الصغر بحيث تمكن السكان من سماع الخطيب في الأجورا وكبيرة لدرجة تساعدهم على توفير أكبر عدد من المحاربين.
وهو بذلك يعكس الفكر التخطيطي للإغريق السائد في ذلك العصر.
وكانت مساحة المدينة يتراوح في الغالب بين 40-100 فدان في حين كان يتراوح عدد السكان ما بين 5 آلاف و 10 آلاف نسمة.
العوامل المؤثرة على حجم المدينة وعدد السكان:
1-الطعام وضيق الرقعة الزراعية و ماء الشرب.
2-وعورة المسالك الجبلية وصعوبة نقل المحاصيل الزراعية.
3-قرب الحقول من المساكن.
أثينا .. الدولة المدينة
Athens .. The City State:
1-الماهية والموقع:
دولة تجارية تقع في الناحية الشرقية من أراضي اليونان وفي البداية كانت مدينة بلا أسوار نمت دائريا حول معبد الأكروبول القائم فوق الهضبة المركزية في المدينة. وكان نشاطاها الرئيسيان هما التجارة والصناعة.
2-النشأة الاجتماعية للمدينة:
نشأت عن طريق تشكيل مجموعة من العائلات لمجموعة أكبر حيث تتجمع هذه المجموعة في مكان متفق عليه ويتم اختيار هذا المكان إما عشوائيا أو عن طريق اتفاق القبائل والعائلات.
وظهرت الدولة المدينة وكانت عادة تحاط بسور ويقام المركز السياسي والثقافي لها في قلب المدينة.
ولقد تميزت هذه الحضارة بالتميز الحاد بين المواطنين من أبنائها فقامت العديد من الثورات عاصرت مدينتنا أثينا أربعة منها.
3-النشأة السياسية:
مرت أثينا بأربع ثورات طالبت جميعها بتحسين الأوضاع الاجتماعية في المدينة التي كانت سببا في العديد من الصراعات التي هددت أمن وسلامة المدينة، وطالبت بالديمقراطية والمساواة.
الثورة الأولى:
بدأت بنقل السلطة السياسية من الملك وتركت له الشئون الدينية فقط حيث تقلصت الملكية إلى الديانة وتحولت الدولة من ملكية إلى جمهورية واستولى أعضاء مجلس الشيوخ على السلطة العليا ونصبوا الملك على أساس اختيارهم.
الثورة الثانية:
قام فيها الحاكم سولون بتغيير الدستور بالنسبة للعائلة ووضع نهاية لعبودية الناس وأعطى للطبقات الدنيا بعض الحقوق مما أدى إلى تحسينات وتطويرات في الأوضاع.
الثورة الثالثة:
دخلت الطبقات الدنيا المدينة بعد أن كانوا يعيشون خارجها مما أثر على تعداد المدينة، وخلق العديد من المشكلات التي سيرد ذكرها فيما بعد.
الثورة الرابعة:
كانت لإقامة الديمقراطية وتحقيق العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع.
تطور تحطيط أثينا على مر التاريح:
في العصور القديمة:
كانت المدينة والريف الإغريقي يؤلفان وحدة منسجمة وفي تلك الفترة كانت المدن الإغريقية أقرب ما يكون إلى القرى.
أثناء الفترة الأولى:
ازدهرت الديمقراطية وكانت المدينة غير مرصوفة الطرق تنقصها شبكة للمجاري وتلقى الفضلات في الشوارع عند أطراف المدينة.
وكان مكان الاجتماع العام عبارة عن ساحة مفتوحة بها منصة يقف عليها الخطيب.
وكان هذا الانعدام في التخطيط والنظام يعتبر وسيلة من وسائل الدفاع من اختراق العدو للسور الخارجي وقد دعا هذا أرسطو إلى أن يشجع على تخطيط بعض أجزاء المدينة تخطيطا هندسيا والبعض الآخر تخطيطا تلقائيا وبهذا يجتمع الفن والجمال والأمن والأمان.
في القرن السابع قبل الميلاد:
كان لأثينا سور هدم بسبب التوسع ولم يعد بناؤه ثم أقيم حولها سور بعد الغزو الفارسي ثم هدم ودمر في حرب البلوب.
نهاية القرن السادس قبل الميلاد
عند نهاية القرن السادس قبل الميلاد بدأت المدينة تأخذ شكلها إلا أن هذا الشكل كان لا يزال ريفيا وكانت الحياة التي يحتويها الوعاء أهم شأنا من الوعاء نفسه.
بداية القرن السادس قبل الميلاد
في بداية القرن السادس قبل الميلاد حاول بزرتراتس Pisistratcs تغيير شكل أثينا عن طريق:
1-بناء شبكة من الطرق والشوارع التي تربطها بالضواحي.
2-بناء مجاري مائية محمولة لنقل الماء العذب للمدينة.
أتى من بعده حكام قاموا ببناء الأكروبول كقلعة وأقاموا القصور وقاموا بهدم السور الذي كان يحيط بالمدينة والذي كان قد أنشئ في القرن السابع قبل الميلاد.
القرن الخامس قبل الميلاد
كانت بعض منظمات المدينة موجودة في أطراف المدينة إلا انها عندما اتخذت شكلها النهائي في القرن الخامس قبل الميلاد أصبحت هذه المنظمات تتوسط المدينة مثل المعبد ومساكن الكهنة والقصر القديم الذي تحول إلى دار المدينة والذي قسمت فيه السلطة إلى ثلاث سلطات: سلطة شئون الحرب وسلطة شئون القانون وسلطة شئون الدين.
وكانت الأنشطة تمارس في الهواء الطلق تحت سماء صافية مشمسة وأحيانا تحت خريف ممطر وشتاء كثير الثلوجن وقد ظل الأكروبول المركز الروحي للمدينة ولم يعد الحصن المبنى الذي يواجه المعبد وذلك حتى القرن السابع.
وفي عهد بيريكليز في الفترة ما بين عامي 461 و 429 قبل الميلاد الذي يسمى عصره بالعصر الذهبي تقدمت الفنون والآداب وظهرت الرفاهية في التجارة والصناعة كما أعيد بناء السور المحيط بالمدينة الذي غطى مساحة تعادل ضعف مساحة المدينة القديمة.
كما حصنت بيريه بسور وبني حوله خندق مائي وأصبحت لأثينا –الدولة- مدينتين هما بيريه وأثينا وربطتا بسورين تفصل بينهما مسافة يلجأ إليها أهل بيلوب في حالة الخطر وأصبح الدفاع عن إحدى المدينتين مرتبطا بالدفاع عن الأخرى.
كما قسمت المدينة إلى مائة قسم وشعر الإغريق عامة بواجب المساهمة في إعادة تعمير أثينا وبناء المعابد التي دمرها الفرس وأصبح الأكروبول مكانا مقدسا وبنيت المعابد بالرخام.
وكانت الانسيابية والتوجيه في التخطيط بحيث وصفها ممفورد بان اوجه النشاط المختلفة كانت تأخذ المواطنين من المعبد إلى البنكس Pnyx – (تل منخفض غرب الأكروبول مكان اجتماع الجمعية الشعبية)- ،ومن الأجورا إلى المسرح ومن الجمانيزيوم إلى ميناء بيريه حيث مركز النشاط التجاري.
وقد نجح الإغريق في خلق مجال حركه غريزي أكثر منه بأي مبرر آخر تهتدي به العين –للوصول إلى غايته وسط شبكه من الأزقة المحصورة بين المباني والعطفات التي لا منفذ بها.
وكانت المدينة عالما طليقا دائم التنوع والحيوية ما بين العمل والفراغ، والآراء والنظريات والتجارب العملية كل هذا يتفاعل سويا في انسجام واتساق وازدهرت الفنون والألعاب الرياضية والموسيقى والتجارب والتأمل والسياسة والمغامرة ولقد فتح كل هذا آفاقا جديدة بل فتح كل آفاق الوجود.
لهذا كان الدور الذي قامت به المدينة الإغريقية يدعو إلى الإعجاب فكل جزء من المدينة بعث حيا في شخص المواطن.
وقد انقسمت المدينة إلى قسمين:
القسم الأول:
على التل ويعرف بالأكروبول Acropolis أو المدينة العليا التي تعتبر كحصن للتل بني حولها حائط دفاعي لحماية المعابد الرئيسية وغيرها من المباني العامة.
القسم الثاني:
بني أسفل القسم الأول على منحدرات التلال التي استفاد منها الإغريق في اختيار الموقع المناسب لإنشاء المسارح والمباني العامة ويحتمل أن يكون الإغريق بنوا المدينة العليا أولا وعندما ازدحمت بالسكان بنيت المدينة الثانية أسفل التل وعملوا على ربط المدينتين ببعضهما ببعض بطريق متسع له درجات.
ولم تتميز المدينة الإغريقية ببروز معابدها ومبانيها فقد كانت هناك مدن أخرى لها نفس الصفة ولم تكن تلك المدن أقل شأنا، إلا أن قوة وفلسفة المدينة الإغريقية تمكنت من حفظ شخصية المواطن مما أضاف عنصر خطر على نظم الحكم السائدة في غيرها من المدن، فقد أوجدت المدينة الإغريقية المواطن الحر الذي يعتبر ما تملكه المدينة ملكا له بحق مولده.
المساكن في المدينة:
أغلقت المساكن في المدينة القديمة حول فناء داخلي يوفر الضوء والتهوية لها مكونا ما يشبه التجمع السكني.
وكانت توضع منازل ومساكن الفقراء والأغنياء جنبا إلى جنب وذلك على الرغم من التمايز العنصري الواضح في الحياة العامة، كما ندر وجود المراحيض في المنازل واستعيض عنها بحمامات عامة، وكان هذا أحد أسباب انتشار الحمامات العامة مما أدى إلى كثير من الفساد في المجتمع الإغريقي.
كما وضعوا كثيرا من القوانين المنظمة لإنشاء المساكن والحمامات والمنشآت العامة وغيرها فأسسوا بذلك أول المحاولات الجادة لتهيئة بيئة سكنية صحية. وقد كان من بين هذه القوانين اشتراطات تحدد الارتفاعات المسموح بها وكذلك بروز الأدوار العلوية للمبنى على ال**** وكذلك عدم السماح بفتح شبابيك في اتجاه ال**** وكذلك منع صرف المخلفات في الشوارع.
هضبة الأكروبول:
كانت الهضبة هي قلب مدينة أثينا النابض بالحياة فقد أقيمت عليها معظم لمنشآت العامة والهامة للاستفادة من طبيعة الموقع ومزاياه، ولم تبذل أي محاولة لتحقيق الترابط بين ما تقع عليه العين أو تتابع ارتفاع البطاريات أو الاحتفاظ بالتماثل فالمنشآت لم تقم على محور محدد ولا يوجد بينها استمرار أو ترابط ويتغير المنظر بتغير الاتجاه والحركة والتماثل. ولم يكن هناك أي تخطيط عام للمنطقة فبعض المباني مستدير والآخر مستطيل وعلى هذا كان كل منشأ مكونا لوحدة مستقلة بذاته.
وقد كانت المباني الرئيسية على الهضبة ثم ظهرت المنشآت حديثة العهد وبخاصة المسرح فقد أقيم المسرح عن طريق تحويل المنحدر الموجود في جانب التل إلى مدرج شبه دائري.
أهم منشآت وخواص الحضارة الإغريقية:
1-المعابد الإغريقية:
كانت تمثل المعابد أهمية بالغة لدى اليونان وذلك انطلاقا من معتقداتهم التي كانت تقوم أساسا على تقديس بعض الظواهر الطبيعية و الأبطال والأشخاص.
وقد انعكس ذلك على الاهتمام بتصميم المعبد حيث قاموا بتصميم الأعمدة على أشكال المعبودات من آلهة وأشخاص. وقد كان لتلك العمدة غرض إنشائي بحت وذلك على العكس من الرومان الذين بدؤوا في استخدام بعض الأعمدة للأغراض الجمالية.
كذلك قاموا بإنشاء المعابد في مراكز المدن وكان الرائي يستطيع رؤية هذه المعابد بنفس الكيفية من جميع الجهات والشوارع المؤدية إليها.
وقد اتضحت هذه الصفات في معابد من قبيل البارثينون والأركيزون.
2-الأجورا Agora:
هو مبنى في قلب المدينة عبارة عن مركز للنشاط الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي للسكان وكانت تنشأ حولها المباني العامة والحكومية والأسواق وممرات البواكي والنصب التذكارية وبعض المعابد.
وقد كانت تقع على تقاطع الطريقين الرئيسيين في المدينة المتجهين شمالا وجنوبا وكذلك شرقا وغربا.
وقد روعي في التخطيط عدم تقاطع الحركات المرورية في أماكن الاجتماعات وذلك بتخليق ميدان في قلب المدينة.
3-بريتانيون Prytaneian:
وهو مبنى مكاتب رؤساء أعمال المدينة مثل المحافظة، وقد كان يستقبل فيها كبار الزوار ويحتوي على أماكن للولائم والحفلات الرسمية.
4-بولتريان Bouleuterion:
هو مبنى المستشار وكان فيه مكان للاجتماعات والمناقشات السياسية وإجراء الانتخابات ويتسع لحوالي 500 شخص وكان مسقطه الأفقي على هيئة نصف دائرة.
5-زلستويا Zielstoia:
كان الإغريق لا يستطيعون إقامة المنشآت المركبة الكبيرة فأقاموا هذا القصر وكان عبارة عن ممر طويل مسقوف على أعمدة تفتح عليه محلات تجارية لخدمة الأغراض العامة وكذلك خدمة هياكل العبادة.
6-التياترو Theater:
هو المسرح المكشوف وقد عبارة عن مدرج مكشوف السقف على هيئة نصف دائرة وفي صدارته المسرح حيث كان يستخدمك لغراض التمثيل والموسيقى، ويقومون بتمريناتهم في مبنى مصغر له يسمى أوديون Odeion.
7-الجمانيزيوم Gymnasium:
وهي الملاعب الرياضية وكانت تضم مدارس خاصة بالمصارعة كما ضمت أيضا الحمامات كما في الحضارة الرومانية.
8-الاستاد Stadium:
هو حلبة لسباقات العدو حيث كانت تقام المباريات العامة وكان تخطيطها مستطيلا وكانت نهايته قائمة أو نصف دائرية.
وقد كان أقدمها في اليونان في مدينة أولمبيا وقد كانت تقام هذه المباريات كل خمسة أعوام على حين تقام في وقتنا الحاضر كل أربعة أعوام.
انهيار الحضارة الإغريقية:
وعندما انهارت المدينة الإغريقية وأصابها الدمار بسبب حروبها مع البلوب بسبب إفراطها في مزاولة الفنون والشعائر حتى قال أفلاطون: "إنه من أشد ما نكبت به المدينة التلاهي وليس التلاحي