لم تكن أمل إنسانة عادية .. دائما كانت تشعر انها مختلفة . هي بالفعل مختلفة فهي تمتلك عقلا راجحا منذ طفولتها وقلبا رقيقا جعل مشاعرها تتفتح مبكرا . تعلمت كيف تحب كما لو كانت شابة ناضجة
فقد ربط الحب بينها وبين زميل دراستها محمود الذي لم يتوانى لحظة واحدة في التعبير عن حبه لها. كان كل شيء يفعله يدل على هذا الحب الكبير . وبرغم تهافت البنات عليه الا انه لم يهتم بغيرها ولم يفكر في سواها
وهي بالرغم من كل مشاعرها تجاهه ...بالرغم من كل هذا الحب الذي تحمله في قلبها له الا انها لم تحاول لحظة واحدة ان تبوح بسرها لأي إنسان حتى له
كانت دائما تتظاهر بعدم اهتمامها به وتتجاهل محاولاته المستمرة لمعرفة حقيقة مشاعرها تجاهه
كانت تظن ان السعادة التي تعيشها ستستمر الى اخر العمر ولكن .......
وما اصعبها من كلمة – كلمة مكونة من ثلاثة أحرف- تفعل بحياتنا الكثير وتهدم الكثير من آمالنا واحلامنا.
جاءت لحظة الفراق العصيبة على كل منهما وتقطع قلبها ألما على الحب البريء الطاهر الذي لم يخرج من قلبها قط . وجدت نفسها تودع احلامها فجأة . وجدت حبيب عمرها يسافر ويبتعد لظروف خارجة عن ارادته.
كم كانت تتمنى ان يعرف مدى حبها له قبل سفره. كم كانت تحلم بأن يستمع اليها قبل الرحيل . ولكن لسانها لم يطاوعها على النطق باسمى كلمة واجمل شعور دخل حياتها .
وسافر حبيبها ولم تنقطع اخباره عنها في بداية سفره وكان دائم السؤال عنها . وبعدها انقطعت اخباره ولم تعد تعرف عنه شيء ولكنها ظلت متمسكة بأملها في لقائه يوما ما .
لم تعرف في حياتها سوى حبه ولم تفتح قلبها لسواه رغم مرور سنوات عديدة على فراقهما
وجاء موعد اللقاء.. صدفة كآلاف الصدف التي تمر بنا .... ولكن لا – هذه ليست صدفة- فهي تتوقع رؤيته فهذا زفاف صديقه المقرب ولابد أن يحضر وهي أيضا ستكون موجودة . ستعطل كل شيء من اجل هذا اللقاء . ستفعل أي شيء لتراه . لا تعرف ماذا تقول عندما تلقاه .. هل تصارحه بما في قلبها تجاهه من سنين ؟؟ هل تصمت وتدع عيناها تتكلمان؟؟؟ هل سيطاوعها لسانها على النطق والحديث معه؟؟ كم تمنت هذه اللحظة التي تجمعهما . كم اشتاقت اليه والى حديثه الرائع ... واليوم ستراه وتحقق أمل حياتها الذي عاشت من اجله سنين.
دخلت أمل الحفل وهي في شدة الخجل فهذه عادتها كلما كانت تراه . بحثت عنه بعينيها أين هو؟؟ ألم يأت بعد؟؟؟ هل من الممكن ألا يأتي؟؟ لا فهي لا تستطيع تحمل هذه الفكرة..... انه أملها الأخير أن يجمعهما هذا المكان
دارت بعينيها في أرجاء المكان حتى دق قلبها بعنف حينما رأته واقف هناك بجانب العريس لم يتغير كثيرا نفس وسامته المحببة الى قلبها نفس ابتسامته الساحرة وعينيه الرائعتين . لم تشعر بالوقت يمر وهي تنظر اليه ... كم كانت تتمنى ان يتوقف الوقت عند هذه اللحظة التي التقت عيناها بعينيه ... استمرت النظرات بينهما من بعيد وقد كان ينظر اليها بين الحين والآخر لكنه لم يتقدم خطوة واحدة ليكلمها
قررت ان تتقدم هي حتى وجدت نفسها تقف أمامه لا يفصلهما سوى خطوة واحدة وجاءت زميلة دراستهما لتقوم بالتعارف بينهما ومد يديه مبتسما ليسلم عليها وكان لقاء أيديهما أشبه بالحلم الجميل الذي لا تريد له أن ينتهي أبدا .... تكلم وما أجمله من صوت اشتاقت لسماعه مند سنين ... سألها عن حياتها وأخبارها .... رأت في عينيه نظرة غريبة لا تعرف سببها نظرة امتزجت بابتسامته وبرغم غموضها الا انها زادته وسامه . لم يحاول ان يتكلم عن نفسه أو حياته وهي لم تستطع السؤال فقد منعها حياؤها من ذلك .
ما أجمل هذه اللحظات التي جمعتهما وما اقصرها ... فقد حان موعد الفراق ... كم حزنت من إهماله لمشاعرها ونظراتها له بين الحين والآخر وهو الذي لم يبدل هذه النظرة الغريبة التي تراها في عينيه كأنه لا يراها ولا يشعر بلهفتها عليه ...
وقفت أمل لكي تودعه وهي تحمل في داخلها بركان من الألم والندم على حب حملته في قلبها طوال سنين ولم يقابله سوا التجاهل .... وقفت أمل ومدت يدها لتسلم عليه للمرة الأخيرة ولكنه لم يمد يده لها ... لم ير هذه اليد وهي تودعه ... نعم فهو أعمى منذ سنين – منذ انقطعت اخباره عنها-
حادث قاسي افقده نور عينيه فقرر ان يبتعد عنها حتى باخباره . ويتركها تعيش حياتها بعيدا عن معاناته. وعندما عرف انه سيلقاها قرر الا تعرف شيء مما اصابه . قرر الا ي..................ب تعاطفها بدلا من الحب الذي تمناه دوما ... ولكنها عرفت .. الان فقط عرفت كم يحبها وكم تحبه ... الان عرفت انها لن تستطيع الحياة بدونه .. الان فقط سمحت للسانها ان ينطق ويتكلم عما يجيش به صدرها من مشاعر ... لن تتخلى عنه ابدا ولن تسمح لأي شيء ان يفرق بينهما بعد الان ... ستكون له دائما العين التي يرى بها كل شيء جميل ... ستعوض معه كل السنين التي مرت في فراق وألم ولوعة ... ستعيش معه حتى اخر العمر ولن تسمح للحزن ان يتسلل اليه ابدا ... ستكون له دائما الامل في الحياة